الأحد، 11 نوفمبر 2018

مصطفى الحاج حسين/////////////////////////////( المبدع ذو الضفتين )

مقدمة للمجموعة القصصية ( المبدع ذو الضفتين )
=================================

للأديب الشاعر ( مصطفى الحاج حسين ) .
بقلم الأديبة والناقدة : ( بسمة الحاج يحيى ) ..
===============

---------------------------------------------------------------
للنخيل ظلالها ، باسقات ، شامخات تنافس
الطيور المحلقة بالسماء ، جذورها تُسقى من نبع
رقراق سلسبيل ..
تُلقي ظلالها حيثما طاب السّمر و اللقاء ..
ذلك هو الأديب الأستاذ ( مصطفى الحاج حسين )
أو ...
( المبدع ذو الضّفّتين ) كما سمّاه بعض الكتاب و
النقّاد . فقد لَانَ الحرفُ بين أصابعه، فكتب الشعر
منذ نعومة أظافره ، متناولا بذلك قضايا متعدّدة ؛
فسلّط الأضواء على القضايا الإجتماعية كما اهتم
بتفاصيل الحياة العامة ببلدته و لم يستثن الشأن
السياسيي اثناء تناوله لكل ما يهم حياة الفرد ، كما
عطّر دواوينه الشعرية بأجمل القصائد التي ألهمها
أحاسيسه الصادقة ، فنكهة العشق الشرقي تفوح من
خلال رسمه للكلمات و المعاني ..
كما أبدع بكتابة القصة القصيرة ، و بهذا
المجال فقد تميّزت كتاباته بالشفافية و المصداقية
إذ استدعى شخوصا من أرض الواقع لتستمدّ
الأحاديثُ شفافيَتَها من كاتب النص نفسه الذي
عكست كتاباته الحياة المتداولة و اليومية و خاصة
تلك التي عايشها بنفسه أو عاشها منذ طفولته
القاسية وصولا إلى حيث برز في مجال الكتابة .
لذلك فقد اتسمت نصوصه بكشف صريح لهمومه
خاصة منها ما يتعلق بالدراسة الّتي حُرم منها منذ
سنواته الصغرى لمّا كان بالابتدائي ، ممّا دفع فيه
أملاً و إصراراً عظيمين لتثقيف نفسه بنفسه ،
فتعلّقت همّته بما وراء المعاهد و الجامعات من
علوم ، فنافس روّاد العلم و تفوّق عليهم و الطموح
يحذوه لطلب المزيد و دون توقف .. نهل من العلم
ما لذّ و طاب ، لم تساوره القناعة و ما أصابه الغرور
قطّ . بل كان كلما زادت معرفته زاد معها شغفه
لطلب المزيد ...
و أجمل ما يؤثّث قصصه تلك الملامح الشفافة
للأحداث و السّرد السّلس للمشاهد و ما تتخلّله من
حوارات أكثر صدقا من الواقع حيث يتوغّل بأغوار
النفس ليزيدها شفافية أثناء السرد ..
الكاتب و الشاعر العصامي التكوين هو من
مواليد 1961 و من سكان حلب ، انقطع عن الدراسة
مبكراً ، و اضطرّ للعمل بميادين عدة مكنته من
الاختلاط بفئات متنوعة من الناس كما خولت له
التعرف إلى قضايا المجتمع بمختلف أصنافها ، ممّا
اكسبه معرفة و فطنة لأنواع الفساد المستفحل
بالعديد من المؤسسات الحكومية ؛ من ذلك الفساد
المالي و المحسوبية و عدم الجدية أو غياب
الإخلاص بالعمل . و هذا ما أثار غيضه و زاد من
شغفه للمطالعة أكثر للإرتقاء بنفسه و فكره عن ذي
عالم . فسعى إلى أن يحول كل هذه الملامح على
صفحات قصصه التي طوّع ، أثناء سردها ، قلمه
فانسابت كتاباته بلهجة ساخرة ، متهكمة على
الشخوص الذين كان سخيّا معهم لدرجة منحهم
أدوار البطولة ، بل و مكنهم من دور الراوي حيث
جاء السرد على ألسنتهم ، فكانت قمة السخرية إذ
يضع البطل في موقف لا يُحسد عليه فيعترف
بنفسه عمّا يجول بفكره من حقد و أنانية أو نوايا
تعفّنت بأعماقه ..
الكاتب و الأديب مصطفى الحاج حسين ،
رجل قلّما تجود به الساحة الأدبية ، فبرغم القسوة
التي غلبت على تفاصيل حياته من داخل الأسرة أو
خارجها ، فقد جعلت منه إنسانا مسالما ، يرفض
الظلم للغير و يدافع عن الفئات التي قست عليها
الظروف كما قسى عليها المجتمع ، فأوْلى هؤلاء
حيزاً لابأس به من مساحة ما نقله في كتاباته ،
فأقحم بقصصه ابطالا واقعيّين قست عليهم الحياة
و المجتمع على حد السواء .. و من هنا تأتي
مجموعته القصصية هذه لتشهد ميلاد ملحمة
أبطالها شخصيات متواجدة بكل زمان و مكان ؛ هم
الإخوة و الاقارب ، هم الأصدقاء و الزملاء بالعمل ،
هم المسؤولون و العمال بمختلف القطاعات ..
المبدع و الكاتب ذو القلم الجريء ، لم يدّخر
تفصيلة واحدة ليغوص بأعماق الأحداث، فكتب بكل
عفوية و شجاعة مميّزين .
و هذه المجموعة القصصية تحوي خمس عشرة قصة
لا يخلو أغلبها من الرّمزيّة ، فقد ترك الأديب مجالاً
للقارئ ليكمل ما بين السّطور ، فاسِحًا له مجال
التأويل بحيث لا يصعب عليه ، خلال قراءته
للأحداث ، أن يلحظ البعد الثاني لكل قضية قيْد
الدّرس ، خاصّة لما تكون البطلة امرأة أو مستضعفة
و ينهش لحمها القريب قبل البعيد ، أو لمّا يقف
الجيران مكتوفي الأيدي ، فحتما أنّ تلك الأرملة أو
الثكلى بائسة الحال لن تكون ، بمواصفاتها تلك و
الشبيهة جدا للمضطهدة و السّبيّة ، إلا رمزا لدولة
عربية استخف بها ربّ العائلة قبل ان يفسح المجال
واسعاً للأجوار كي يكملوا رسم عنفهم بجدارة
فتكتمل المأساة ..
هذه المجموعة القصصية هي نافذة للآخر ،
للقارئ ، لكل من شعر بالظلم بأي مرحلة من مراحل
حياته و خلال صيرورة البقاء من أجل الحياة ، و لم
يسعفه خياله و لا قلمه ليعبر عمّا يودّ كشفه علنًا .
فهذا الكتاب هو بمثابة صرخة عالية ، آهة شاهقة
التردد ليعود إليه صدى صوته من خلالها . هي نفحة
يتنفس عبرها القارئ ليسمع أنينه لمّا يصير الألم
لذاذة نكتبها لتُقْرَأ ، لمّا يصير الشجن وليدا نحضنه و
نطبق عليه فنحويه داخل أضلاعنا ، نلفّه كما تلف
الأم وليدها ، نلفّ أحزاننا حتى تصير جزءً منّا ، حتى
تتشابه ملامحنا به ، فنراها منعكسة بمرآة الحروف
تتكاثف و تتراصّ ، تتسع و تتمدّد ، تتوغل بأعماق
النفس ثم تسبح بفضاء الخيال ؛ لتكتشف أنك تقرأ
للأستاذ ( مصطفى الحاج حسين ) . فتعجب كيف
أمكن له مسك كل تلك التفاصيل الصغيرة و التي
ساهمت و إلى حد كبير في بناء شديد الارتفاع
استدرج خلاله كل التفاصيل ؛ ذوات ، فواعل ،
شخوص ، جميعها تحضر لتنسج كل المعاني ،
فيحضر السرد و الخطاب منسجمين إلى حدّ
الجمالية بلغة سلسة مستساغة ، لكن لا تخلو من
إبهار القارئ الذي يمسك بتلابيب الصورة و
المشهدية حتى النهاية، فلا نقف معه كــقرّاء ، على
فواصل، إذ الكتابة فيض من التشويق، يأخذ بنا إلى
ظلال الحدث ، فلا نتوقف حتى نبلغ النهاية ..
كالمياه تنساب الكلمات مسترسلة و الحبكة مكتملة
الجمالية ، عذبة الخرير ، فلا تشعر و أنت تقرأ
للأستاذ ( مصطفى ) بالملل ، بل هي تأخذك الى
عمق الحدث و بكل نعومة الاسترسال ..
قلم جريء و معطاء ، بجرة يأخذنا إلى عوالم
قصصية تشير إلينا بإحكام ربط حزام الأمان ،
لنسافر عبر الكلمة الحرة و الصادقة بأجواء يغلب
عليها طابع الواقعية فتُجنّد الخيال فقط لخلق
مسامرة بين هذا و ذاك ، بين نفسك تراها بمواقف و
حالك لو استفدت ممّا هو مغاير ، لتحصل تلك
الإضافة من خبرات الكاتب ، فيحصل ما يسمى
بالمساهمة خلال عمل تشاركي بين الكاتب و القارئ ،
تسهم بها في تطوير ذاتك ، و إلا فما نفع المطالعة لو
لم تضف للقارئ فيتمكن من تطوير فكره عبر تجارب
الكاتب ؟
قصص تحمل أكثر من دلالة بهذه المجموعة ..
نصوص تحملنا إلى ضفاف النهاية بمهارة ربّان يحمل
أفكاره و تجاربه و بعض خصوصياته مرتسمة ببعض
أركان النصوص ..
قلم مشبع بالسخاء حدّ الاكتفاء ، بل و يحملنا إلى
ارتفاعات شاهقة من الجمالية و ارتفاعات أخرى
تفسح مجال التأويلات المتاحة فيكتسي النص ،
على يد المبدع ، تأشيرة للسفر و التوغل
داخل خبايا شخوص القصة ..
مجموعته القصصية هذه ، جاءت لتلخص
مسير حياته و مسارها ، فكان كاتبنا ( مصطفى )
"العقاد" ، و هذه تسمية أطلقها عليه الأديب و الناقد
الأستاذ ( محمد بن يوسف كرزون ) ، الكاتب و
الناقد السوري الأصل ، فكان أنموذجا حيّا للإنسان
الذي عمل على تغيير الوضع السلبي بمحيطه و
بمجتمعه ككل ، لإيمانه بأن الكلمة و الأدب إن لم
يغيرا الشعوب فلا جدوى من الكتابة أصلا ..
فإن لم نستظل تحت أغصانها وارفة ، فلن
تكون غابات كثيفة بما تحمله من معان و عبره
ترفرف بأجمل الكلم و تهدينا رفيفا عذبا لكل معنى
ينساب عند كل نسائمها المنكهة أدبيات ؛ من قصص
و شعر ..
تلك هي الظلال ، و تلك هي النخيل الباسقات تحملنا
إلى عوالم قصصية ، ترفعنا إلى التحليق عبر
مجموعة « المبدع ذو الضّفّتين » بقلم الأستاذ
( مصطفى الحاج حسين ).. قراءة ممتعة .
بسمة الحاج يحيى
تونس .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق