قصة قصيرة
حدائق الأمل
عادة بعد منتصف الليل حين تخف حركة السيارات وتحتضن الدور أجساد قاطنيها من البشر.تطفأ أنوار البيوت الساهرة وينام الليل على أسطح الأبنية وعلى أجساد الشوارع وأرصفة الطرقات المتعبة من خطوات المارة. حينها تضاء قناديل نفوس الحالمين والعشاق المتسكعين على عتبات الليل الطويل. وها هي غيثاء و ما أن تدفق هواء نيسان المنعش للروح إلى غرفتها بعد منتصف الليل. حتى امتلأ قلبها فرحاً وبدأت وريقات فنان الحب تتمايل طرباً على حواف روحها. فتجرأت وخطفت قلمها الناعم الصامت منذ زمن وحررته من قيود كتمانه وتركته يجول كما يحلو على مساحات القرطاس الأصم ليخط مسارات أمنيات الصبايا السارحات في حدائق الأمل . ففتحت قلوبهنًّ واتكأت على حواف أجنحة الليل تراقب قدوم قطار الهوى إلى محطة الأمل وبدأت ترسم بكلماتها أسرار دروب العشق وخفاياه التي لا يفضحها سوى نور القمر وآهات السهر وبدأت تقص حكاية أحلامهنَّ على عتبات حياة جديدة قادمة لكلِّ منهنَّ. وبدأت حكاياتها ب:
كان يا ما كان مروج ممتدة على طول المدى وقد احتضنت بين جوانبها حدائق من الأمل. ولكل حديقة أريجها وعطرها ومذاقها المميز.
فأحدهنَّ تدعى رحاب وقد حلمت "على أنها حين وجدته يطوف على مدارات وجودها حاولت بدلالها المعهود وبابتسامتها الغنية بالرضاء واللطف بأن تقتلعه من جذور الحزن والتيه وخيبة الأمل. إلا أنْ احسَّ براحة لم تتغلغل في أوصاله منذ زمن طويل. فراح يمعن النظر إليها وهي واقفة قبالته شامخة كشجرة سنديان راسخة. وما أن أصغى بسكون إلى تراتيل ألحان صوتها الذي لم يكُن كسائر الاصوات بالنسبة له حتى بدأ يغرف بنظراته معاني ابتسامتها الرقيقة التي مسحت عن كاهله عناء التعب والتيه الذين تلبساه في زحمة الأيام وكثرة متاعبها. فشعر بالوجد صعوداً إلى أعلى درجات السكينة والاطمئنان. فأرتشف كلماتها المختالة بين شفتيها كي يعطر روحه بعبق الحنين والشوق إلى عالمها "... هذا ما روته في جلستها معهنَّ وعلمتُ لاحقاً على أنها بعد أن استيقظت من حلمها ما تزال جالسة بالقرب من نافذة الأمل تنتظر طلته على طيف مدارات وجودها.
أما بهاء. فهي تلك الأنثى الفخورة بإطلالتها وبانتقاء كلماتها. ورثت أصالة الجمال عن والدها. ونضارة الوجه سرقتها من حسن وبهاء والدتها. تعيش وهي تعتز بنفسها وسموِّ تفكيرها. كما أنها لم تفكر يوماً أن تتمنى ما لدى الأخريات من قريناتها. فكثير ما كانت مواقفها وأرائها ثابتة لا تتزعزع. فروت :
" نعم مذ أن زارني طيفه وأنا غافية على وسادة أحلامي عرفت أنَّه الحبيب الصادق لأنَّه يعرف كيف يجيد عزف مقطوعة الحب والهيام ويرى جسد من يحب بنظرة العاشق المتيَّم ويميز ما فيه من فروق صغيرة عن غيره من الأجساد. وهو من يستمتع بأنغام الجسد الثائر نحوى القمة ويكتشف لذَة طعمه المميّز كطعم مذاق أزهار اللوز وسحر الزنبق وعطر الياسمين وعنفوان الورد الجوري. فأدركتُ أنَّه حلمي الذي أعشقه ولا بديل لي له عنه "... وعلمت أنها حَضنَتْ طيفهُ بسمو وغفت. وعلى ما أعتقد بأنها ما تزال غافية.
أما ثائرة إنها اسم على مسمى. لأنَّها امرأة مثيرة لا تعرف السكينة. وجسدها لا يعرف الانتظار إن ثار. ولم تكن تحب أن تسبح يوماً إلاّ مع تيار جارف كنهر ثائر لا يرحم. ففي لحظات العشق المنثورة تجتاز مسالك حريتها إلى السمو. بالمختصر إنَّها الأنثى التي تأسره في ملكوتها متى تشاء وكما تشاء أنت. إنّها كالقطب الشمالي العصي على الذوبان حيث يطلب الدفء والعشق على الدوام...
فقصت على مسامع المجتمعات:
" في كلِّ ليلة وأنا بين الحلم واليقظة يزورني. ولما تكررت القاءات بيننا وأزداد تواصل أرواحنا. بدأت تذبل أنسام الهواء لتصبح مرخية وعابثة. وفي كل مرة يطفو فيها حلم اللقاء ويغدو حينها مناخ العشق مواتياً فيتهاوى الجندول ليحمُلنا بفرح على صفحة نهر الحب ويجرفنا إلى فردوس ساحة الالتحام لعمر قدره زمن اللقاء. فأستمتع بلهيب أنفاسه وقُبَله المحمومة. فتزداد عدد النجمات المزروعة في روحي حتى تغدو كأنَّها أرخبيلاً معلق في السماء وأنا مبحرة على قارب من غيمة بيضاء كي أصل إلى بر الهدوء والسكينة "... وحسب ما سمعتُ من أحداهنَّ حيث التقت بها في الآونة الأخيرة وعلمت على أنَّها ما تزال مبحرة على سطح القارب.
أما رجاء الخجولة. ذات الجسم اللدن والخصر الخيزران. هادئة رزينة تجلس في الركن كأصيص من الريحان الذي لا يفوح عطره مهما قاربته إلا وتداعبه بأناملك بلمسة حنان. وما أن بدأت لتتكلم حتى أنفرش على محياها وشاح الحياء. وبصوت خافت نثرت كلماتها المقتضبة على ازناد النسيم وعَبَّرت بحكايتها:
" منذ أن أزهرت روحي وهاجرتُ أيام طفولتي باغت روحي يوماً خلسة مني. وأغتصب أنفاسي. وحين سمعته أتاني صوته هامساً كالحفيف. وذكرني كيف كان أيام زمان يمسكني بشغف التملك وحين كنت أغيب عن أنظاره حتى ولو برهة من زمن كان يحسبها دهراً من الأزمان. ويصمت وهو يرمقني بنظرات عشق مستتر. فأطبقت جفني كي أهرب من موقف حرج . لكنه خطف قبلة من مبسمي وشدني لصدره وأصغى لتنهدات صدري الثائر. فهربت حينها من حضته وقلت له أنا ذاهبة لأسجد وأصلي وعد لي في ليلة القدر" ... وهكذا منذ أيام قابلت والدتها وسألتُ عن أحوال رجاء. فأبلغتني بأنها ما تزال ساجدة وتصلي.
لكنَّ جنان ورغم إدراكها بأن جسدها اليافع الممشوق يزداد جمالاً ورشاقة مما أكسبه سمة الشهوانية التي لا حدود لها. بحيث لم يكن باستطاعة المعجبين بها كبح جموح مشاعرهم وإبداء إعجابهم بها بأي وسيلة والثناء على جمال إطلالتها وقامتها الثائرة. فمالت جانباً ولملمت أنفاسها وطوت أحلامها وأغلقت نوافذ الرغبة وبدأت ترمرم بشفاهها وتحاكينا وكأنَّها تحاكي نظرية الخلق التي فرضت متعة الجسد سائلة:
كيف لمثل هؤلاء الذكور أن يدركوا مكنونات المرأة وأنوثتها وآلامها عندما تقف قبالة أحدهم ويطلب منها أن تلتصق به أرضاءً لنزواته بحسب شريعة وقوانين وُضعت لإشباع نهم الذكور في الجنس وامتلاك الجسد. وصمتَتْ برغبة منها بأن لا تُناقَشْ بالأمر "... وعلمت من أحدى زميلاتها المقربات منها ولا يفترقن أبداً. حيث قالت لي بأن جنان ما زالت جعبتها مليئة بسهام نظرياتها الغاضبة وهذا ما يسعدني ويطيب خاطري. وأنا بدوري فارقت زميلة جنان حتى دون كلمة وداع.
وحين جاء دور صفاء لتتكلم. التزمت الصمت ولم ترغب بالتكلم على الرغم من الحاحهنَّ عليها. لكن الكلمات كانت غاصة في مردها. فاكتفت بمسح دموعها... لكنني كنتُ الوحيدة التي أعرف قصتها حين ظهر لها يوماً وتقدم منها والقى عليها التحية ونظراته ترتشف طيب ملامحها وصرح عن رغبته بالتعرف عليها. وبدأ يثني على المحاضرة التي القتها ويوضح عن مدى أهميتها التربوية. وبينما كان هو منشرحاً بالكلام معها أحست حينها أنه المبتغى الذي جاءها من بين أدراج النسيان والدروب الترابية المخطوطة على خدود القرى النائية. ومن يومها غرقت في حلم يروي لها أسرار الغرف الحاضنة لعشق الهوى وأنفاسها المنتحرة على عتبات المشتهى. وحلقت أمنياتها إلى ذالك العشب البعيد المنبسط على أطراف غدير صابر على صراع أمواج جسدين متحابين. وكان البعاد بينهما بسبب زحمة المحبين والمتحاورين الذين التفوا حولها وسرقوا منهى لحظة صفائها. وعلى ما أعتقد بأنَّ نظراتها ما تزال تبحث عنه أثناء كلِّ محاضرة تلقيها في دار الثقافة.
وما أن بدأ ضياء نور الصباح يتغلغل في جسد عتمة الليل ويلطخه بقعاً من الأمل القادم للنفوس الطيبة حتى حررت غيثاء القلم من بين أناملها وتركته جانباً كما تركت القرطاس متكأ على سطح منضدتها وهو في حالة ذهول مما كشف له من أسرار. وتوجهت نحو النافذة وباعدت بين دفتيها ونظرت إلى الحديقة فرأت كيف سواعد الياسمين تتسلق السياج وتمد ذؤاباتها إلى عابري السبيل لتداعبهم وأزهارها البيض تبتسم لهم وتضحك على نشوتهم من عبق رائحتها. فجلست تراقب كيف تتدفق جزيئات النور لتملاً الكون حبوراً ورغبت أن تسترخي على بساط النسيم المفروش على حبال الهوى. إذ تذكرت كيف جاءها يوماً من حيث لا تدري وكان حاملاً بين أضلعه المحرم المشتهى كالتوت البري الجاذب لكلِّ قادم من بعيد. فأيقنت أنَّ كلٍّ منهما قد خلق للآخر. وتذكرت نظراته يوم وداعه على أمل اللقاء. ومالت جانباً وابتعدت عن النافذة وتوجهت إلى سريرها الآسر لأسرارها وحضنت وسادتها وغفت على حلم نظراته الدافئة التي أخذتها إلى مكان آخر على أمل بأن يفي بوعد اللقاء.
انتهت
جوزيف شماس
حدائق الأمل
عادة بعد منتصف الليل حين تخف حركة السيارات وتحتضن الدور أجساد قاطنيها من البشر.تطفأ أنوار البيوت الساهرة وينام الليل على أسطح الأبنية وعلى أجساد الشوارع وأرصفة الطرقات المتعبة من خطوات المارة. حينها تضاء قناديل نفوس الحالمين والعشاق المتسكعين على عتبات الليل الطويل. وها هي غيثاء و ما أن تدفق هواء نيسان المنعش للروح إلى غرفتها بعد منتصف الليل. حتى امتلأ قلبها فرحاً وبدأت وريقات فنان الحب تتمايل طرباً على حواف روحها. فتجرأت وخطفت قلمها الناعم الصامت منذ زمن وحررته من قيود كتمانه وتركته يجول كما يحلو على مساحات القرطاس الأصم ليخط مسارات أمنيات الصبايا السارحات في حدائق الأمل . ففتحت قلوبهنًّ واتكأت على حواف أجنحة الليل تراقب قدوم قطار الهوى إلى محطة الأمل وبدأت ترسم بكلماتها أسرار دروب العشق وخفاياه التي لا يفضحها سوى نور القمر وآهات السهر وبدأت تقص حكاية أحلامهنَّ على عتبات حياة جديدة قادمة لكلِّ منهنَّ. وبدأت حكاياتها ب:
كان يا ما كان مروج ممتدة على طول المدى وقد احتضنت بين جوانبها حدائق من الأمل. ولكل حديقة أريجها وعطرها ومذاقها المميز.
فأحدهنَّ تدعى رحاب وقد حلمت "على أنها حين وجدته يطوف على مدارات وجودها حاولت بدلالها المعهود وبابتسامتها الغنية بالرضاء واللطف بأن تقتلعه من جذور الحزن والتيه وخيبة الأمل. إلا أنْ احسَّ براحة لم تتغلغل في أوصاله منذ زمن طويل. فراح يمعن النظر إليها وهي واقفة قبالته شامخة كشجرة سنديان راسخة. وما أن أصغى بسكون إلى تراتيل ألحان صوتها الذي لم يكُن كسائر الاصوات بالنسبة له حتى بدأ يغرف بنظراته معاني ابتسامتها الرقيقة التي مسحت عن كاهله عناء التعب والتيه الذين تلبساه في زحمة الأيام وكثرة متاعبها. فشعر بالوجد صعوداً إلى أعلى درجات السكينة والاطمئنان. فأرتشف كلماتها المختالة بين شفتيها كي يعطر روحه بعبق الحنين والشوق إلى عالمها "... هذا ما روته في جلستها معهنَّ وعلمتُ لاحقاً على أنها بعد أن استيقظت من حلمها ما تزال جالسة بالقرب من نافذة الأمل تنتظر طلته على طيف مدارات وجودها.
أما بهاء. فهي تلك الأنثى الفخورة بإطلالتها وبانتقاء كلماتها. ورثت أصالة الجمال عن والدها. ونضارة الوجه سرقتها من حسن وبهاء والدتها. تعيش وهي تعتز بنفسها وسموِّ تفكيرها. كما أنها لم تفكر يوماً أن تتمنى ما لدى الأخريات من قريناتها. فكثير ما كانت مواقفها وأرائها ثابتة لا تتزعزع. فروت :
" نعم مذ أن زارني طيفه وأنا غافية على وسادة أحلامي عرفت أنَّه الحبيب الصادق لأنَّه يعرف كيف يجيد عزف مقطوعة الحب والهيام ويرى جسد من يحب بنظرة العاشق المتيَّم ويميز ما فيه من فروق صغيرة عن غيره من الأجساد. وهو من يستمتع بأنغام الجسد الثائر نحوى القمة ويكتشف لذَة طعمه المميّز كطعم مذاق أزهار اللوز وسحر الزنبق وعطر الياسمين وعنفوان الورد الجوري. فأدركتُ أنَّه حلمي الذي أعشقه ولا بديل لي له عنه "... وعلمت أنها حَضنَتْ طيفهُ بسمو وغفت. وعلى ما أعتقد بأنها ما تزال غافية.
أما ثائرة إنها اسم على مسمى. لأنَّها امرأة مثيرة لا تعرف السكينة. وجسدها لا يعرف الانتظار إن ثار. ولم تكن تحب أن تسبح يوماً إلاّ مع تيار جارف كنهر ثائر لا يرحم. ففي لحظات العشق المنثورة تجتاز مسالك حريتها إلى السمو. بالمختصر إنَّها الأنثى التي تأسره في ملكوتها متى تشاء وكما تشاء أنت. إنّها كالقطب الشمالي العصي على الذوبان حيث يطلب الدفء والعشق على الدوام...
فقصت على مسامع المجتمعات:
" في كلِّ ليلة وأنا بين الحلم واليقظة يزورني. ولما تكررت القاءات بيننا وأزداد تواصل أرواحنا. بدأت تذبل أنسام الهواء لتصبح مرخية وعابثة. وفي كل مرة يطفو فيها حلم اللقاء ويغدو حينها مناخ العشق مواتياً فيتهاوى الجندول ليحمُلنا بفرح على صفحة نهر الحب ويجرفنا إلى فردوس ساحة الالتحام لعمر قدره زمن اللقاء. فأستمتع بلهيب أنفاسه وقُبَله المحمومة. فتزداد عدد النجمات المزروعة في روحي حتى تغدو كأنَّها أرخبيلاً معلق في السماء وأنا مبحرة على قارب من غيمة بيضاء كي أصل إلى بر الهدوء والسكينة "... وحسب ما سمعتُ من أحداهنَّ حيث التقت بها في الآونة الأخيرة وعلمت على أنَّها ما تزال مبحرة على سطح القارب.
أما رجاء الخجولة. ذات الجسم اللدن والخصر الخيزران. هادئة رزينة تجلس في الركن كأصيص من الريحان الذي لا يفوح عطره مهما قاربته إلا وتداعبه بأناملك بلمسة حنان. وما أن بدأت لتتكلم حتى أنفرش على محياها وشاح الحياء. وبصوت خافت نثرت كلماتها المقتضبة على ازناد النسيم وعَبَّرت بحكايتها:
" منذ أن أزهرت روحي وهاجرتُ أيام طفولتي باغت روحي يوماً خلسة مني. وأغتصب أنفاسي. وحين سمعته أتاني صوته هامساً كالحفيف. وذكرني كيف كان أيام زمان يمسكني بشغف التملك وحين كنت أغيب عن أنظاره حتى ولو برهة من زمن كان يحسبها دهراً من الأزمان. ويصمت وهو يرمقني بنظرات عشق مستتر. فأطبقت جفني كي أهرب من موقف حرج . لكنه خطف قبلة من مبسمي وشدني لصدره وأصغى لتنهدات صدري الثائر. فهربت حينها من حضته وقلت له أنا ذاهبة لأسجد وأصلي وعد لي في ليلة القدر" ... وهكذا منذ أيام قابلت والدتها وسألتُ عن أحوال رجاء. فأبلغتني بأنها ما تزال ساجدة وتصلي.
لكنَّ جنان ورغم إدراكها بأن جسدها اليافع الممشوق يزداد جمالاً ورشاقة مما أكسبه سمة الشهوانية التي لا حدود لها. بحيث لم يكن باستطاعة المعجبين بها كبح جموح مشاعرهم وإبداء إعجابهم بها بأي وسيلة والثناء على جمال إطلالتها وقامتها الثائرة. فمالت جانباً ولملمت أنفاسها وطوت أحلامها وأغلقت نوافذ الرغبة وبدأت ترمرم بشفاهها وتحاكينا وكأنَّها تحاكي نظرية الخلق التي فرضت متعة الجسد سائلة:
كيف لمثل هؤلاء الذكور أن يدركوا مكنونات المرأة وأنوثتها وآلامها عندما تقف قبالة أحدهم ويطلب منها أن تلتصق به أرضاءً لنزواته بحسب شريعة وقوانين وُضعت لإشباع نهم الذكور في الجنس وامتلاك الجسد. وصمتَتْ برغبة منها بأن لا تُناقَشْ بالأمر "... وعلمت من أحدى زميلاتها المقربات منها ولا يفترقن أبداً. حيث قالت لي بأن جنان ما زالت جعبتها مليئة بسهام نظرياتها الغاضبة وهذا ما يسعدني ويطيب خاطري. وأنا بدوري فارقت زميلة جنان حتى دون كلمة وداع.
وحين جاء دور صفاء لتتكلم. التزمت الصمت ولم ترغب بالتكلم على الرغم من الحاحهنَّ عليها. لكن الكلمات كانت غاصة في مردها. فاكتفت بمسح دموعها... لكنني كنتُ الوحيدة التي أعرف قصتها حين ظهر لها يوماً وتقدم منها والقى عليها التحية ونظراته ترتشف طيب ملامحها وصرح عن رغبته بالتعرف عليها. وبدأ يثني على المحاضرة التي القتها ويوضح عن مدى أهميتها التربوية. وبينما كان هو منشرحاً بالكلام معها أحست حينها أنه المبتغى الذي جاءها من بين أدراج النسيان والدروب الترابية المخطوطة على خدود القرى النائية. ومن يومها غرقت في حلم يروي لها أسرار الغرف الحاضنة لعشق الهوى وأنفاسها المنتحرة على عتبات المشتهى. وحلقت أمنياتها إلى ذالك العشب البعيد المنبسط على أطراف غدير صابر على صراع أمواج جسدين متحابين. وكان البعاد بينهما بسبب زحمة المحبين والمتحاورين الذين التفوا حولها وسرقوا منهى لحظة صفائها. وعلى ما أعتقد بأنَّ نظراتها ما تزال تبحث عنه أثناء كلِّ محاضرة تلقيها في دار الثقافة.
وما أن بدأ ضياء نور الصباح يتغلغل في جسد عتمة الليل ويلطخه بقعاً من الأمل القادم للنفوس الطيبة حتى حررت غيثاء القلم من بين أناملها وتركته جانباً كما تركت القرطاس متكأ على سطح منضدتها وهو في حالة ذهول مما كشف له من أسرار. وتوجهت نحو النافذة وباعدت بين دفتيها ونظرت إلى الحديقة فرأت كيف سواعد الياسمين تتسلق السياج وتمد ذؤاباتها إلى عابري السبيل لتداعبهم وأزهارها البيض تبتسم لهم وتضحك على نشوتهم من عبق رائحتها. فجلست تراقب كيف تتدفق جزيئات النور لتملاً الكون حبوراً ورغبت أن تسترخي على بساط النسيم المفروش على حبال الهوى. إذ تذكرت كيف جاءها يوماً من حيث لا تدري وكان حاملاً بين أضلعه المحرم المشتهى كالتوت البري الجاذب لكلِّ قادم من بعيد. فأيقنت أنَّ كلٍّ منهما قد خلق للآخر. وتذكرت نظراته يوم وداعه على أمل اللقاء. ومالت جانباً وابتعدت عن النافذة وتوجهت إلى سريرها الآسر لأسرارها وحضنت وسادتها وغفت على حلم نظراته الدافئة التي أخذتها إلى مكان آخر على أمل بأن يفي بوعد اللقاء.
انتهت
جوزيف شماس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق